الراعي يُطلق خارطة طريق اقتصادية – اجتماعية إنقاذية للبنان: على الحكومة التعاون مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي للنهوض بالبلد

وال-أطلق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من على منبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي، خارطة طريق اقتصادية – اجتماعية إنقاذية للبنان، ارتكزت على أربعة محاور: العدالة الاجتماعية، الواقع الاجتماعي، الهجرة، والاقتصاد الذي هو "أساس النشاط الاجتماعي والحدّ من الهجرة"، مؤكداً أن "بالإدارة الطيّبة والوعي والتحرّر من النفوذ المعرقل والنافذين المعرقلين... ليؤسّس نهضة إنتاجيّة شاملة. فيعود لبنان إلى طبيعته الأصلية والأصيلة".

وإذ أبدى قلقه من "تزايد عدد اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين في لبنان، في مقابل تزايد هجرة أبنائنا"، أعلن أنه "لا يمكن الحَدّ من الهجرة من دون اقتصاد قوي".

ولم يغفل القول "إننا نتطلّع إلى هذا المجلس الاقتصادي والاجتماعي لوضع الخطّة العمليّة من أجل تحقيق النهوض الاقتصادي ..."، مطالباً الحكومة بالأخذ في الاعتبار ما يقدّمه هذا المجلس وضرورة استعانتها به والنظر بعيونهم لأن المستشارين لا يمكنهم أن يقوموا بعمله، وهذا هو دوره".

بعنوان "العدالة الاجتماعية – الواقع الاجتماعي وأزمة هجرة اللبنانيين"، عُقد لقاء مع البطريرك الراعي في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، بمشاركة رئيس المجلس شارل عربيد، وحضور النائب شوقي الدكاش، رئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق محمد شقير، نقيبَي الأطباء د شرف ابو شرف والمهندسين عارف ياسين، رئيس الاتحاد العمالي العام بشاره الأسمر، نقيب المقاولين مارون حلو، منسق المؤسسات التربوية الكاثوليكية الخاصة الأب يوسف نصر، رئيس رابطة اساتذة التعليم الثانَوي الرسمي نريه جباوي، ونقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود. إضافة إلى نائب الرئيس سعد الدين حميدي صقر، والمدير العام محمد سيف الدين، وأعضاء المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وشخصيات، ومهتمين .

عربيد: نضع جهودنا في تصرّف الحكومة

بداية تم عرض فيلم وثائقي عن الأضرار التي لحقت بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي في أعقاب انفجار المرفأ وإعادة تأهيله، ثم ألقى عربيد كلمة شدد في بدايتها على "ضرورة معرفة المسؤولين عن هذا الانفجار الذي غيّر وجه العاصمة بيروت"، وقال :رُبّ سائلٍ لماذا غبطته في المجلس الاقتصادي والاجتماعي؟ ببساطة، لأنه رجل الدين والوطن الذي لطالما حمل فوق أكتافه الهمّ الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي والتربوي. ولأنه من بين المسؤولين الكبار القلائل المهتمين والمتحمّسين لعملنا ودورنا والذين دائماً ما يسألون عنا. لذلك، كان هو عنوان افتتاح بوابة المجلس على اللقاءات التشاركية للتفكير والعمل الجماعي من أجل الإنقاذ.

أضاف: قبل سنواتٍ ثلاث، حلّيت بنا غبطتكم في زيارة أولى، رعيتم بها انطلاقة المجلس في مسيرته الجديدة التي حاول من خلالها المشاركة في صنع السياسات العامة نحو خدمة الإنسان في لبنان. يومها، كانت شرعة العمل، وقضايا العمال وأصحاب العمل، وإطلاق الحوار الاجتماعي والاقتصادي، وأحوال البيئة، هي المسائل التي ترأس اهتماماتنا المنبثقة من اهتمامات الناس. واليوم، فإن استرجاع تلك الملفات، وتعقيداتها المستمرة، لا ينسينا حجم المصائب التي وصلنا إليها، وانعكاساتها اليومية في حياتنا، في طوابير المحروقات، أو على أبواب الأفران، أو على رصيف المستشفيات.

وتابع: حتى لا نستغرق في وصف المشهد الراهن، وهو ما لم نحبذه يوماً في عملنا في هذه المؤسسة، فإنه من الواجب التأكيد أن ما وصلنا إليه لم يكن قدراً محتوماً، وأنه كان بالإمكان تجنبه. لقد قدم مجلسنا خلال الأزمة الحالية، وقبلها، حلولاً للكثير من مشكلاتنا، وآخرها الورقة التشاركية لإعادة توجيه الدعم نحو مستحقيه، والتي عملنا عليها مع خيرة الخبراء من مختلف التوجهات، هنا في المجلس، وكان يمكن لها أن تشكل نزولاً ناعماً في قعر الأزمة، ومنطلقاً نحو الخروج منها. ونحن إذ نسترجع هذه المحطة، فإنما لنقول إن الحلول ممكنة، وليس لنتباهى بدورٍ ومكانة. وبدلاً من أن يتجاوز الاقتصاد والمجتمع المحن، فإن الخطر قد تجاوزهم ليهدد لبنان الرسالة بوجوده وحضوره ومعناه.

وقال عربيد: لقد أعطى تشكيل الحكومة جرعة إيجابية طال انتظارها. ونحن هنا مستعدون أن نضع جهود وطاقات المجلس في تصرف الحكومة لمساعدتها على أداء المهام الصعبة التي تواجهها. فالقضية بدأت تتحول إلى كيمياء اجتماعية مضطربة قابلة للانفجار في كل لحظة. وهو ما نرى ملامحه في التفلت الأمني الفردي، الذي نخاف أن يتحول جماعياً. كما نراه في التفكك الأسري المتزايد، بكل أنواعه، وأخطرها اليوم افتراق العائلات كلٌ في بلاد. نريد استعادة أبنائنا، وإبقائهم في بلادنا، ولها. وذلك يحدث من خلال استعادة ثقة الناس ومجتمع الإنتاج والاغتراب بالحكومة وبالدولة.

ولفت إلى أن "اللبنانيين يتطلعون اليوم إلى تغيير في السلطة، وينتظرونه. تغييرٌ يشبه ما تغير في أمزجتهم، خصوصاً في السنوات الأخيرة. تغييرٌ يحاكي انتظاراتهم البسيطة أولاً، ثم احلامهم الكبرى. عيش بعزة وبكرامة". وسأل "ما الذي يعيد إليهم الثقة اليوم؟ والهجرة تأكل القطاعات الواحد تلو الآخر"، وقال: ثروتنا البشرية تتشتت بين الدول. في القطاع الطبي، آلاف الأطباء والممرضين والفنّيين أضاعتهم البلاد، ومثلهم في قطاع الهندسة، وفي قطاع التعليم بمختلف مراحله. البلاد ... تخسر بُناتها.

أضاف: اللبنانيون خائفون اليوم من المستقبل. اللايقين يحيط بهم، ومطالبهم حقوقٌ متأخرة، تستمر الدولة بالتخلف عن سدادها: سكنٌ وعملٌ، وفرص متكافئة. ورعاية طبية مطمئنة، وسعيٌ مستمر إلى النمو وتغيير الحال عبر تعليم الأبناء. وهم يريدون اليوم إعادة تشكيل السلطة السياسية وفق أهدافهم التي عبروا عنها في الشارع. فقد أيقنوا أن التركيبة الحالية لن تصنع بلداً، ولن تقيم دولةً، ولن تحمي كياناً. إنه صراع بين أجيال، جيل تقليدي يشد إلى الوراء، وجيل رقمي يتطلع إلى المستقبل. والامتحان الفاصل هو الانتخابات المقبلة. فلتكن المشاركة كثيفة، وليبادر كل الراغبين بالخدمة العامة إلى الترشح. لنعطي الناس المزيد من الخيارات والفرص.

واعتبر أن "إجراء انتخاباتٍ نزيهة وشفافة ركن أساس في عملية الإصلاح، لكنها تحتاج إلى مرشحي تغيير حقيقيين. وهؤلاء موجودون في مختلف المواقع . وعليهم اليوم أن يعيدوا إلى العمل السياسي معناه الحقيقي كالتزام بالبناء. بناء الدولة والمؤسسات والإدارة والمجتمع والاقتصاد"،… وقال: من حق اللبنانيين أيها السادة أن يُتركوا لبناء بلدهم، وأن يُعطَوا الفرص لذلك، وذلك يتم من خلال تحقيق اللامركزية في الشؤون الإدارية والتنموية والخدمية. إنها مدخل للتنافس الإيجابي على التنمية، بدلاً من التنافس السلبي للتعطيل. اللامركزية تبعدنا عن الصراع المتوحش على السلطة المركزية، وتذهب بنا إلى عصر تنمية الأطراف والمناطق، وتصالح الناس مع منطق الدولة، بمجرد أن تصل التنمية منازلهم، بعد أن كانوا يطاردون سرابها بين الخطابات المتناحرة. ونحن في المجلس، سوف نفتح النقاش حول هذا الموضوع قريباً.