تدويل أزمة لبنان: الحماية من السلاح و"المثالثة"

وال-الموقف الجديد على الساحة الداخلية، هو الصرخة التي أطلقها البطريرك الماروني، مار بشارة بطرس الراعي، إلى جانب صرخة المطران الياس عودة. شيئاً فشيئاً تتوضح المواقف أكثر فأكثر. لم يعد من مجال للسكوت، ولا بد لهذه المواقف أن تقترن بتحركات عملية على الأرض.

عملياً، نعى الراعي كل المبادرات الداخلية والإقليمية والدولية، مشيراً إلى أنها لن تصل إلى أي مكان. لا يمكن لهكذا كلام أن يكون عابراً، خصوصاً لجهة توقيته. إذ يأتي بعد اتصالات بين الأميركيين والفرنسيين، في محاولة فرنسية لإنقاذ مبادرة ماكرون من جديد. لكن البطريرك استبق فشل هذه المبادرات بناء على تجارب سابقة، وربما بما لديه من معطيات. فهو يبدي تخوفه الصريح من أن يكون المشروع هو التدمير الكامل لما تبقى من لبنان أو من مقومات الدولة اللبنانية.

مؤتمر دولي
لا بد من وضع موقف البطريرك في سياقه الطبيعي بعيداً عن أي مجال للعاطفة. وهو وضع حداً لكل المهاترات القائمة على الساحة المحلية، والتي لن تؤدي إلا إلى مزيد من التدهور والانهيار. وذهب بعيداً في طروحاته. إنها المرة الأولى التي يلجأ فيها البطريرك الراعي إلى المطالبة بشكل صريح بتحييد السلاح، إذ قال صراحة: "إن لبنان يستوجب أن تطرح قضيته في مؤتمر دولي خاص برعاية الأمم المتحدة، يثبت لبنان في أطره الدستورية الحديثة التي ترتكز على وحدة الكيان، ونظام الحياد، وتوفير ضمانات دائمة للوجود اللبناني، تمنع التعدي عليه، والمس بشرعيته، وتضع حداً لتعددية السلاح، وتعالج حالة غياب سلطة دستورية واضحة تحسم النزاعات، وتسد الثغرات الدستورية والإجرائية، تأمينا لاستقرار النظام، وتلافياً لتعطيل آلة الحكم عدة أشهر عند كل استحقاق لانتخاب رئيس للجمهورية ولتشكيل حكومة".

ليس الموقف إبن لحظته. وحسب المعلومات، فهو ينطوي على عمل جهات متعددة في لبنان وخارجه لتنظيم مؤتمر دولي للبحث في الأزمة اللبنانية المستعصية برعاية دولية وإقليمية. مؤتمر يضع كل الخلافات والمشاكل اللبنانية على الطاولة بما فيها السلاح، في تطور سياسي لافت، لا بد له أن يلقى أصداءً خارجية متعددة، خصوصاً لدى دخول الدول الكبرى في جولات جديدة من المفاوضات مع إيران.
لا يريد الأفرقاء اللبنانيون أن يبقوا بعيدين عن مثل هذه المفاوضات، وهم لا يجدون أي طرف قادر على تمثيلهم أو ينوب عنهم، إنما هم يريدون فرض أنفسهم على طاولة التفاوض، مع خلال الدعوة إلى مثل هذا المؤتمر، على نحو لا يكون حزب الله بسبب قوته وعلاقته بإيران طرفاً وحيداً على طاولة المفاوضات، طالما أنه نجح بتطويع القوى السياسية الداخلية، إما على قاعدة المصلحة، أو بنتيجة التخويف، وبما أنه يمسك بأوراق متعددة من الحدود الجنوبية إلى الحدود الشرقية جاهزة لأن تكون رصيد تفاوض بين يديه.

تسليم لبنان
هذا المسعى اللبناني، يهدف إلى لفت نظر العالم إلى الملف اللبناني، رفضاً لتسليم لبنان إلى حزب الله ومن خلفه إيران، تحت أي شعار أو اعتبار، ولعدم الذهاب إلى تغيير النظام السياسي بما يتلاءم مع مصلحة الحزب وإيران في إرساء المثالثة.
ومما لا شك فيه أن الراعي وغيره يقرأون في تطورات العلاقة بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله، من خلال البحث في إعادة تجديد "التفاهم" على قاعدة مصلحية جديدة، وهي استمرار توفير الغطاء للحزب، مقابل حصول التيار على المزيد من المكاسب في السلطة أو على طريق رئاسة الجمهورية التي يحلم بها جبران باسيل. وكان للراعي سابقاً مواقف واضحة، خصوصاً بعد إجهاض مبادرته من قبل عون وباسيل. إذ اعتبر أن بكركي لا يمكن أن تكون طرفاً في أي نزاع على السلطة، ولا تمنح غطاءً كنسياً أو مسيحياً في لعبة السلطة. ولا يمكن لها أن تكون عنصراً من العناصر التي يريد جبران باسيل استخدامها في معاركه.

موقف الراعي يثبت أن كل المبادرات الجارية لتشكيل حكومة والخروج من الأزمة لا يبدو أنها قابلة للوصول إلى حل، ولا تقديم أي جديد، كما ان الكلام في عمقه يشير إلى أن الأزمة لم تعد تقتصر على تعطيل تشكيل الحكومة، إنما الذهاب إلى خيار التدويل والبحث في مسألة السلاح القادر على تعطيل أي مبادرة داخلية أو خارجية، وتغيير كل موازين القوى.
وفي الوقت الذي يتوجه به الراعي بهذه الصرخة، هناك جهات عديدة ستكثف من نشاطها الخارجي مطالبة لتدويل الملف اللبناني تحت الفصل السابع، خصوصاً إذا ما فشلت المبادرة الفرنسية مجدداً.


المدن -منير الربيع