مع تفاقم الازمة...اين مقررات الاجتماع الاقتصادي في بعبدا؟

ال-مع أن الحل الذي وضع حداً لأزمة المحروقات أمس يفترض ان يشكل نموذجاً لمعالجات لاحقة تتصل بكل التداعيات التي نشأت عن أزمة السيولة بالدولار الاميركي، فإن المشهد السياسي أرخى بمزيد من الانطباعات السلبية على مجمل الواقع الداخلي بحيث ترتسم شكوك واسعة حول قدرة أركان الحكم والحكومة وشركاء السلطة على التماسك تحت سقف الحد الأدنى من الانسجام ووحدة الرؤية لمنع انزلاق البلاد نحو مزيد من التأزم. بل أن مجريات التعامل الرسمي مع الأزمات المتعاقبة التي تشهدها البلاد دفعت كثيراً من المراقبين الداخليين كما أوساطاً ديبلوماسية الى التساؤل باستغراب أين أصبحت مقررات الاجتماع الاقتصادي الرئاسي النيابي الموسّع الذي انعقد في قصر بعبدا منتصف الصيف والذي كان من أبرز مقرراته إنشاء لجنة لحالة طوارئ اقتصادية؟
وما دام ذاك الاجتماع اعتبر توحيداً مبدئياً وعملياً للرؤية الرسمية والحكومية والسياسية لمعظم القوى، فما معنى العودة المباغتة الى التباينات العلنية والسافرة حيال مسارب معالجة الأزمات المتراكمة اذا كانت السلطة عاجزة عن تنفيذ ما التزمته والاسراع في منع انزلاق البلاد نحو أخطار الانهيار؟ بل ان الغرابة التي طبعت المشهد الداخلي أمس والتي واكبت عودة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى بيروت من نيويورك تمثلت في ملامح تبادل رمي كرة الأزمة بين ملاعب مختلفة، علماً ان العامل الاكثر تعبيراً عن الازمة الصامتة التي تعتمل بين أركان السلطة أفصحت عنها حملة دفاعية عن العهد بعدما كان رئيس الجمهورية ومحيطه المباشر تعرضاً في الايام السابقة لحملات حادة اعلامية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي على خلفية حجم الوفد الذي رافقه في زيارته لنيويورك. حتى أن كلام الرئيس عون للوفد الاعلامي في الطائرة التي نقلته الى بيروت تضمن نقاطاً مثيرة للجدل استبطنت غمزاً ضمنياً من قناة وزير المال علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في ملف أزمة السيولة، وقت كان وزير الخارجية جبران باسيل ونواب في "تكتل التغيير والاصلاح" يهاجمون على نحو مباشر شركاء للعهد أو أفرقاء سياسيين لم يحددوهم.

لذا باتت جملة اسئلة تطرح نفسها بإلحاح: بيد مَن زمام الامور اليوم؟ أين الحكومة؟ وأين إجتماعات بعبدا وخططها لمعالجة الازمة؟ لأن خطورة ما وصلنا اليه تتطلب اجتماعات مفتوحة، وليس تقاذفاً للتهم ومحاولة تحميل المسؤولية، ربما على خلفية معركة رئاسية تحتاج كبش محرقة.
قد يتحمّل المصرف المركزي جزءاً من المسؤولية بمجاراته لعبة الحكم وعدم رفع الصوت بما فيه الكفاية أقله لفضح التأخير في انجاز الاصلاحات والمضي بسياسات تعتمد على اسعار فائدة مرتفعة لاستقطاب الودائع على حساب القطاع الانتاجي وقدرة تمويله، إنما كامل المسؤولية تلقى على عاتق السلطة السياسية التي أمعنت في هدر الموارد وتمادت في الانفاق وسببت العجوزات الكارثية في الخزينة وميزان المدفوعات وأهدرت كل فرص الاصلاحات. سياسات عجزت حتى اليوم عن ضبط الهدر والفساد، بعدما تخطت كل اجهزة الرقابة وحوّلت القضاء الى محميات خاصة.

"النهار"-"نداء الوطن"