إغلاق فروع وصرف آلاف الموظفين من كبرى المصارف اللبنانية

وال-لا شيء يدل على سوء حال لبنان بقدر ما تدل عليه المصارف وما آلت إليه. الجوهرة التي ترصّع تاج الاقتصاد اللبناني منذ نشأة الكيان يبدو أنها تتهشم. إذ لم تستثن الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة القطاع المصرفي بأعضائه والعاملين فيه، كما لم تستبعده من حساباتها التقشفية وإجراءات شد الحزام السائدة في كافة القطاعات في البلد. فالقطاع المصرفي اللبناني، الذي لطالما نأى بنفسه عن الأزمات حتى في عز الحروب، يلعب اليوم الدور الأبرز في قلب الأزمة، دور الجلاد والضحية في آن معاً.

لا شك ان المصارف تواجه خطر تقلّص حجمها وإغلاق بعضها ودمج البعض الآخر. وهي عانت ما عانته من تراجع كبير في مداخيلها وأرباحها، نتيجة الأزمة المالية والنقدية، وما نجم عنها من هروب ودائع وتعطيل عمل المصارف بشكل شبه كامل. وكل ذلك من شأنه أن يدفعها إلى البحث عن مقومات استمرارها، وتعزيز أوضاعها المالية، والتخفيف من نفقاتها بطبيعة الحال، إن عبر إقفال فروع مصرفية أو عبر صرف عاملين وموظفين لديها. لكن كل ذلك لا يبرّر السلوك الذي تتبعه في مسار الصرف التعسّفي لموظفي المصارف، وتحميلهم عبء الضغوط المالية ومسؤولية سوء إدارة القطاع المصرفي.

المصارف وإن لم تقع في خسائر حقيقية حتى اللحظة، إلا أنها تواجه ضغوطاً مالية، دفعتها إلى اتخاذ إجراءات ووضع استراتيجيات، تختلف بين مصرف وآخر بحسب قدرته وملاءته وسياسته المعتمدة داخلياً، تهدف إلى خفض النفقات. وتتلخص تلك الإجراءات بخفض فروع المصارف وصرف عدد من الموظفين والعمال باتفاقات رضائية حيناً وتعسّفية أحياناً.
الأزمة المصرفية قد تدفع المصارف إلى تقليص عدد فروعها في مناطق عدة. الأمر الذي يدفع إلى إعادة النظر بعدد الموظفين في تلك الفروع. لكن عدد الموظفين المنوي صرفهم يفوق كثيراً العدد العامل في الفروع المرجح إغلاقها. ما يعني أن عمليات الصرف تجري مع سبق الإصرار.

إغلاق عشرات الفروع
تتجّه المصارف اللبنانية ككل إلى تقليص عدد فروعها البالغ عددها أكثر من 1000 فرع مصرفي على كامل الأراضي اللبنانية، خصوصاً المصارف الكبيرة مثل فرنسبنك وBlom وعودة على سبيل المثال. بمعنى أن المصارف التي يتخطى عدد فروعها 95 فرعاً تتجه إلى خفض عددها خلال عام، بما يتراوح بين 20 و30 فرعاً. أي بنسبة تفوق 20 في المئة تقريباً من مجمل الفروع، وفق مصدر في جمعية المصارف. وتركّز المصارف على إقفال الفروع المستأجرة مبانيها، والإبقاء على الفروع المملوكة من البنك، توفيراً للنفقات.

ومن بين المصارف من يعمد إلى إغلاق فروع تماشياً مع خطط إعادة تنظيمها، ومنها بنك بيبلوس الذي يعمل وفق استراتيجية إعادة هيكلة وضعها قبل ثلاث سنوات، تقتضي بإقفال فروع تقلّص عدد زبائنها وعملائها بشكل كبير. ووفق المصدر، كان قد جرى تحويل بعض فروع المصارف إلى مراكز counter less بمعنى اقتصار الفرع على صراف آلي ATM وموظف فقط. وقد تم الإبقاء على الفروع التي نجحت بالتحول، فيما تم إقفال الفروع التي لم تنجح بذلك. ويتوقع المصدر إقفال المزيد من الفروع المصرفية، خصوصاً العائدة إلى المصارف الكبرى خلال الأشهر المقبلة.

صرف عاملين
وانطلاقاً من إغلاق فروع مصرفية وإلغاء أقسام في غالبية المصارف، بشكل شبه كامل، لاسيما الأقسام المعنية بتلقي ودرس طلبات القروض، آثرت المصارف إلى صرف موظفين وعاملين، ووضع خطط مُحكمة لتقليص الكادر البشري تدريجياً، من دون الدخول في مواجهات قانونية مع الموظفين.

تختلف الاستراتيجية المعتمدة بين مصرف وآخر بالنسبة للتعامل مع ملف صرف موظفين من القطاع، الذي يضم أكثر من 26 ألف موظف. فبعض المصارف ومنها بنك عودة وسوسييتيه جنرال SGBL على سبيل المثال، اعتمدت ثلاث حالات لصرف الموظفين، الأولى للموظفين الذين تتجاوز أعمارهم 64 عاماً، هذه الشريحة تعمل وفق عقود سنوية. وما يحصل أن المصرف سيوقف تجديد العقود لهؤلاء، وعددهم أكثر من 400 شخص من أصل 2500 موظف.

أما الحالة الثانية فترتبط بالموظفين الذين تقل أعمارهم عن 64 وتتجاوز 60 عاماً وهؤلاء يقدم لهم المصرف عروضاً تتمثل بتقديم 24 راتباً مقابل التقدم بالاستقالة. وهو ما يشجع كثر على الاستقالة، خصوصاً أن قيمة الليرة اليوم ربما تكون أقل سوءاً مما ستصبح عليه بعد سنوات. فخيار الاستقالة وتعويض الـ24 راتباً ربما يكون أفضل من لا شيء لاحقاً. والحالة الثالثة تشمل الموظفين الذين تقل كفاءتهم عن سواهم من العاملين، ويحصلون على تعويضاتهم كصرف تعسفي.

ويعتمد بنك سوسييتيه جنرال SGBL الاستراتيجية نفسها، مع إضافة فئة رابعة إلى المصروفين تشمل صرف من تربطهم علاقات قرابة بين الموظفين. بمعنى صرف أحد زوجين أو أخوين موظفين، على أن يتم صرف الشخص صاحب الراتب الأعلى. ووفق مصدر، فإن SGBL لديه نحو 300 إسم موظف حاضر للصرف. لكن بطريقة تدريجية، تتراوح بين 5 و10 موظفين أسبوعياً، بهدف الوصول إلى الرقم المحدد للموظفين المنوي صرفهم.

واعتمدت مصارف أخرى استراتيجيات مختلفة لعمليات الصرف منها BML الذي عمد إلى إرسال بريد إلكتروني لكل موظف، لإعلامه أنه بإمكانه التقدم باستقالته بشكل طوعي والإستحصال على حزمة تعويضات مناسبة. أما بنك Blom فلم يرسل أي بريد أو رسالة لموظف. بل عمد إلى تبليغهم عبر الهاتف، لإعلامهم بفتح باب الاستقالات الطوعية وبشروط وتقديمات خاصة لم يُفصح عنها. وكشف مصدر أن بنك Blom يستهدف صرف نحو 500 موظف.

لا شكاوى لا حماية
لم تباشر نقابة موظفي المصارف حتى اليوم التدخل لحماية حقوق الموظفين المصروفين، والمدرجة أسمائهم على لوائح الصرف. ووفق رئيس النقابة أسعد خوري، فإنه لا يمكنها التدخل لتحصيل حقوق الموظفين، ما لم يبادر الموظف إلى استدعائها او اللجوء إليها لحمايته، "نحن كنقابة إن لم نتلق شكاوى بشكل واضح من قبل موظفين، لا يمكننا التدخل. وحتى اليوم لم نتلق أي شكوى من موظفين بعدم حصولهم على تعويضات مناسبة"، يقول خوري في حديثه إلى "المدن"، معرباً عن رفضه أي عمليات صرف تعسفي، خصوصاً أن ظروف العمل التي يمر بها العاملون صعبة والرواتب فقدت جزءاً كبيراً من قيمتها قاربت 60 في المئة. فالموازنة التي كانت المصارف ترصدها لرواتب الموظفين انخفضت إلى نحو 40 في المئة من الكلفة الحقيقية.

والجدير بالذكر أن موظفي المصارف يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، باستثناء بعض المصارف التي رصدت جزءاً من الرواتب بالدولار، قارب في بعضها 20 في المئة، والبعض 30 أو 50 في المئة. وأحد المصارف رصد كامل الرواتب بالدولار الأميركي كمصرف BLF وIBL، على أن يتم تقاضيها بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف 3000 ليرة. في المقابل، هناك مصارف لم تحول أي جزء من الرواتب إلى الدولار، ولم تحسن أي من رواتب موظفيها، علماً ان تلك التسهيلات تتم كل شهر على حدة وليست دائمة.

عزة الحاج حسن
المدن