غاز اوروبا بين فكي كماشة روسية – اسرائيلية؟!

وال-مهما بالغت التقارير الاقتصادية والديبلوماسية التي تتحدث عن حجم الازمة الطاقوية المتوقعة في الشتاء المقبل، فإن شيئا من الحقيقة لا يمكن إخفاؤه. وهي تقول بالخط العريض إن البحث عن مصادر الطاقة بعد الاستغناء او اقفال خطوط مد الغاز من روسيا الى أوروبا والعالم او نتيجة العقوبات المفروضة عليها والسعي الى تسعيره بمبادرة من مجموعة الدول السبع، لن يكون امرا سهلا. فالغاز الروسي يغطي بنسبة تتراوح بين 25 الى 30 % من السوق العالمية ويوفر حاجات بعض دول أوروبا بنسبة تتراوح بين 45 و60 % من حاجتها.

وانطلاقا من هذه المعادلات، تتوقع المراجع المعنية ان ترتفع نسبة الضغوط الدولية لمعالجة هذا الوضع، وهو ما سينعكس على المناطق الجديدة التي تجري فيها عمليات الاستكشاف والإنتاج لضخ المزيد من الاستثمارات المالية لزيادة الانتاج العالمي، بعدما لم تفلح الضغوط الاميركية بتأمين ما كانت تحلم به من زيادة في انتاج المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الى درجة التعويض عن النقص الناتج عن الغزو الروسي لاوكرانيا سواء عن قصد او عدم القدرة على رفع الانتاج بكميات إضافية للاحتفاظ بأسعار عالمية مقبولة توفر الكلفة المطلوبة للخطط الاقتصادية العملاقة الجاري تنفيذها في المملكة العربية السعودية وفق خط 2020 – 2030 والتي تحتاج الى آلاف المليارات من الدولارات.


على هذه الخلفيات، اجمعت مصادر ديبلوماسية وسياسية في حديثها لـ "المركزية" على ان هذا الواقع فرض الطحشة الاميركية الاخيرة للإسراع في عملية ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل لتوفير الظروف الملائمة لتسويق الإنتاج من حقول المنطقة وتأمينها للدول الاوروبية والعالم بأسرع وقت ممكن. فالتجارب التي تجريها روسيا من وقت لآخر على خط "نورد ستريم 1" الذي ينقل الغاز لأوروبا بحجة اجراء اعمال الصيانة الدورية قدمت عروضا استباقية لما يمكن ان تشهده البلدان التي رفعت من نسبة استخدام الغاز بديلا من الطاقة الاحفورية. وقد اظهرت النتائج الفورية حجم التهديد الذي طال البرامج التي قالت بضرورة التوجه الى الطاقة البديلة لمعالجة ازمة المناخ والتخفيف من نسبة التلوث الى درجة يمكن ان تفقدها اهميتها وتسقط النتائج الايجابية التي تحققت حتى الأمس القريب.


وانطلاقا من هذه المؤشرات، لا بد من النظر الى المفاوضات التي يقودها الموفد الاميركي الى ملف الترسيم اموس هوكشتاين، باعتبارها إحدى المحاولات الجارية لسد ثغرة ولو محدودة في الازمة الطاقوية العالمية وخصوصا ان المنطقة المستهدفة هي الأقرب الى مجموعة الدول التي تحتاج الى مصادر الطاقة، وأن مخزونها الوافر سيؤمن نسبة كبيرة من الحاجات بأقل تكلفة.

وان توغل الباحثون عن الأسباب التي حالت دون ترجمة التفاهمات التي تحققت حتى اليوم، فان الروايات تتعدد وتتشابك في ما بينها بسبب الصمت المطبق الذي يغلف جوانب مهمة منها. فالمعلومات الأخيرة التي تسربت من كواليس المساعي الاميركية والاوروبية تحدثت عن معطيات جديدة لم تظهر الى العلن بعد، ومنها الحديث عن مطالب اسرائيلية ومصرية برفع سعر إنتاجها بما يزيد عن الاتفاقيات المبدئية التي عقدت في حزيران الماضي مع الاتحاد الأوروبي على هامش مؤتمر للطاقة عقد في القاهرة.

وتضيف المعلومات التي ارتكزت على هذه المعطيات الجديدة ان هذه الشروط الجديدة رفعت من نسبة التحديات التي يواجهها الموفد الاميركي الذي انتقل الى مرحلة التفاهم على الخطوط والحقول الى مرحلة البحث عن الضمانات لكل من لبنان واسرائيل ودول المنطقة من اجل الإعلان عن التفاهم على عملية الترسيم. فقد اقر الجميع بمن فيهم لبنان الذي كان يعترض على مجموعة الخطوط المعتمدة للترسيم بأنه بامكان تجاوز هذه الخطوط على قاعدة ان الثروة المستهدفة هي تحت الماء وقد يكون من الصعب اللجوء الى ترسيم الخطوط من فوقها بشكل مباشر فكان الخط المتعرج المقترح.

وبانتظار التثبت من مختلف هذه المعطيات والرسو على بر المقترحات الأميركية الجديدة ان وجدت وهي تنتظر عودة هوكشتاين الى لبنان والمنطقة، فإن الدول الأوروبية باتت بين كفي كماشة روسية من جهة الشمال واسرائيل ومصر من الجهة الجنوبية. ولذلك، فإن البحث عن مخارج لتوسيع نطاق الصفقة على المستوى العالمي قد يؤدي الى فكفكة العقد الصغيرة وتوفير الحلول الممكنة ولو بشكل مؤقت، على ان تأتي المرحلة المقبلة بالكثير مما هو متوقع من تفاهمات. وان كان الهدف البعيد المدى للاميركيين بالاستغناء عن الغاز الروسي بالكامل في حلول العام 2025 فإن ذلك يرتب الكثير من الجهود المطلوبة على مدى الأشهر والسنوات المقبلة لما ستفرضه من إجراءات بدلت في أولويات الدول للانتقال من الطاقة الاحفورية الى الطاقة النظيفة.
المركزية