البرلمان العراقي يستخدم أزمة المياه أداة لتقييد صلاحيات السوداني

وال-أطلقت لجنتا المالية والزراعة والمياه والأهوار في البرلمان العراقي مساء الأربعاء، تحذيرا نيابيا غير مسبوق يكشف عن تصعيد حاد في صراع النفوذ بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مستغلتين تدهور الأوضاع الوطنية، وتحديدا أزمة المياه والضائقة المالية.

وتجاوز البيان المشترك، الذي أصدرته اللجنتان، مجرد لفت النظر إلى الأزمات، ليتحول إلى وثيقة ضغط سياسي تسعى لتقييد سلطة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وإجباره على الخضوع للرقابة البرلمانية المباشرة في الملفات الحيوية.

وانتقد البيان المشترك، الذي صدر بتوقيع رئيس اللجنة المالية يوسف الكلابي ورئيس لجنة الزراعة والمياه والأهوار فالح الخزعلي، نهج الحكومة في إدارة أزمة المياه.

وجهت اللجنتان اتهاما مباشرا للسلطة التنفيذية بالتقاعس عن اتخاذ الإجراءات اللازمة، وعدم إعلان "حالة الطوارئ المائية" لتفادي ما وصفتاه بـ"الأزمة الكارثية".

ويشير هذا النقد إلى فشل الحكومة في التعامل مع التحدي الوجودي الذي يواجه العراق، خاصة في المناطق الجنوبية والزراعية.

وهاجم البيان كذلك ما أسماه "السكوت عما تنتهجه تركيا بـ'تعطيش العراق'"، وفق تعبيراته.

وهذا الاتهام العلني لدولة جوار، صادر من مؤسسة تشريعية، يضع الحكومة في موقف حرج أمام الرأي العام، ويسلط الضوء على ما يعتبره البرلمان تهاونا حكوميا في حماية حصة العراق المائية، وهي قضية سيادية لا يمكن التغاضي عنها.

ويعاني العراق منذ سنوات من انخفاض متواصل في كميات المياه الواردة عبر نهري دجلة والفرات اللذين يعتمد عليهما وعلى روافد أخرى أقل أهمية تنبع جميعها من تركيا وإيران في تأمين المياه بشكل أساسي. وبدأ العراق بمواجهة معضلة شحّ المياه، مع مضاعفة البلدين المذكورين لاستغلال الثورة المائية وتعبئتها في السدود، وأكبرها سدّ أليسو الذي أقامته تركيا في المنطقة التي تحمل نفس الاسم على الحدود بين محافظتي ماردين وشرناق.

وتعرقل مشكلة شحّ المياه تحقيق طموحات العراق للاستقرار وتحسين وضعه الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما لا يمكن أن يتمّ في ظلّ ندرة المياه الضرورية للزراعة والصناعة.

ويرى عراقيون أنّ وصول بلدهم إلى مستوى الفقر المائي ليس عائدا فقط إلى أسباب وعوامل طبيعية وجغرافية قاهرة (كالتغيرات المناخية)، ولكنّه أيضا نتيجة لضعف الدولة وعدم قدرة الحكومات المتعاقبة على التفاوض بالشكل الملائم على الحصص المائية مع كل من إيران وتركيا.

وهذا الربط بين الضعف الحكومي والأزمة الوجودية للمياه هو ما تستغله اللجنتان البرلمانيتان لزيادة الضغط على رئيس الحكومة لاتخاذ مواقف أكثر حزما تجاه ملف المياه الإقليمي.

ودعا البيان إلى عقد جلسة طارئة لمجلس النواب لاتخاذ القرارات اللازمة بموضوع "قحط المياه" بحضور رئيس الوزراء والوزراء المعنيين والمختصين، وإلزام مجلس النواب الحكومة بإعلان "حالة الطوارئ المائية".

ويمثل هذا الإلزام محاولة مباشرة لانتزاع قرار تنفيذي من يد الحكومة ووضعه تحت مظلة السلطة التشريعية، مما يعزز الرقابة البرلمانية على إدارة الأزمات الوطنية.

كما طالبت اللجنتان، بتوضيح أسباب "منع" رئيس مجلس الوزراء، وزيرة المالية، من الحضور إلى لجان مجلس النواب إلا بعد استحصال موافقة منه، في وقت تعاني البلاد من مشكلة "شحة مالية".

وتكشف هذه المطالبة عن جوهر الأزمة السياسية، حيث يرفض رئيس الوزراء منح اللجان البرلمانية صلاحية استدعاء الوزراء مباشرة، مما يعتبره البرلمان تضييقا على دوره الرقابي، خاصة في ظل الأزمة المالية التي تتطلب شفافية ومحاسبة.

ويعكس الربط بين الأزمة المالية ورفض مثول وزيرة المالية استغلال البرلمان للضائقة الاقتصادية كأداة ضغط على الحكومة لفرض سيادته الرقابية.

ووجهت اللجنتان بيانهما المشترك إلى "الشعب، والمرجعية الدينية، والقوى السياسية كافة، وائتلاف إدارة الدولة والإطار التنسيقي، ووسائل الإعلام كافة"، ما يمثل استراتيجية لحشد الدعم وتوزيع أدوار الضغط.

وتسعى اللجنتان من خلال استدعاء الرأي العام ووسائل الإعلام لجعلهم طرفا شاهدا وداعما للموقف البرلماني في مواجهة الحكومة، وفي الوقت ذاته، مثّل توجيه البيان إلى المرجعية الدينية محاولة لإضفاء شرعية وطنية على المطالب البرلمانية، وإشراك المرجعية كمرجع مؤثر في الخلاف حول الملفات الحيوية.

واستهدفت اللجنتان ضغطا مباشرا على الكتل السياسية الفاعلة، بما فيها "الإطار التنسيقي"، لإعادة تقييم موقفها والتحيز للدور الرقابي للبرلمان على الأداء التنفيذي، وتحديدا في ملفي المياه والمال.

وأكد هذا البيان المشترك أن الأزمة في البلاد تتجاوز مجرد ندرة الموارد لتصبح أزمة إدارة وصراع على الصلاحيات بين السلطتين، حيث استخدم مصطلحات مثل "الأزمة الكارثية" و"قحط المياه" و"تعطيش العراق" بهدف إحراج الحكومة وإجبارها على التراجع عن تقييد مثول وزرائها أمام البرلمان، ما يتيح فرض رقابة نيابية أكثر صرامة على قراراتها المالية والإدارية.

ويؤشر هذا الحراك النيابي إلى سعي البرلمان لاسترداد كامل حقوقه الدستورية في الإشراف المباشر على إدارة شؤون الدولة، لا سيما في هذه المرحلة الحساسة التي تستوجب أقصى درجات الشفافية في الإنفاق والتعامل مع تحديات الأمن المائي.

وبينما تتصاعد حدة الخلاف، فمن المتوقع أن تؤدي موجة التصعيد هذه إلى زيادة ملحوظة في التوتر بين رئاسة الوزراء ومجلس النواب، الأمر الذي يهدد بعرقلة سير العمل الحكومي ويدفع باتجاه إعادة ترسيم وتحديد واضح للصلاحيات بين السلطتين.